فصل: المجمع العاشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى **


*2*  المجمع الثامن

ثم كان لهم بعد ذلك ‏(‏‏(‏مجمع ثامن‏)‏‏)‏ بعد المجمع الحلقدوني، الذي لعن فيه اليعقوبية بمائة سنة وثلاث سنين، وذلك أن أسقف منبج، وهي بلدة شرقي حلب، بالقرب منها، وهي- مخسوفة- الآن، كان يقول‏:‏ بالتناسخ، وأن ليس قيامة، وكان أسقف الرها، وأسقف المصيصة، وأسقف آخر، يقولون‏:‏

إن جسد المسيح خيال غير حقيقة، فحشرهم الملك إلى قسطنطينية، فقال لهم‏:‏ بتركها إن كان جسده خيالا، فيجب أن يكون فعله خيالا، وقوله‏:‏ خيالا، وكل جسد يعاين لأحد الناس، أو فعل، أو قول، فهو كذلك، وقال لأسقف منبج‏:‏ إن المسيح قد قام من الموت، وأعلمنا أنه كذلك يقوم الناس من الموت، يوم الدينونة‏.‏

وقال في ‏(‏‏(‏إنجيله‏)‏‏)‏‏:‏ لن تأتي الساعة حتى إن كل من في القبور إذا سمعوا قول ابن الله، يجيبوا، فكيف تقولون ليس قيامة‏؟‏ ‏!‏

فأوجب عليهم الخزي، واللعن، وأمر الملك أن يكون لهم مجمع، يلعنون فيه، واستحضر بتاركة البلاد، فاجتمع في هذا المجمع مائة وأربعة وستون أسقف، فلعنوا أسقف منبج، وأسقف المصيصة، وثبتوا على قول أسقف الرها‏:‏

أن جسد المسيح حقيقة، لا خيال، وإنه إله تام، وإنسان تام، معروف بطبيعتين، ومشيئتين، وفعلين، وأقنوم واحد، وثبتوا المجامع الأربعة، التي قبلهم بعد المجمع الحلقدوني، وإن الدنيا زائلة، وإن القيامة كائنة، وأن المسيح يأتي بمجد عظيم، فيدين الأحياء والأموات، كما قال الثلاثمائة والثمانية عشر‏.‏‏.‏

*2*  المجمع التاسع

فصل ثم كان لهم ‏(‏‏(‏مجمع تاسع‏)‏‏)‏ في أيام معاوية ابن أبي سفيان، تلاعنوا فيه، وذلك أنه كان برومية، راهب قديس يقال له مقسلمس، وله تلميذان، فجاء إلى قسطا الوالي فوبخه على قبح مذهبه، وشناعة كفره، فأمر به قسطا، فقطعت يداه، ورجلاه، ونزع لسانه، وفعل بأحد التلميذين مثله، وضرب آخر بالسياط، ونفاه فبلغ ذلك ملك قسطنطينية‏.‏

فأرسل إليه يوجه إليه من أفاضل الأساقفة، ليعلم وجه هذه الحجة، ومن الذي كان ابتدأها، لكيما يطرح جميع الآباء القديسين، كل من استحق اللعنة، فبعث إليه مائة وأربعين أسقفا، وثلاث شمامسة، فلما وصلوا إلى قسطنطينية، جمع الملك مائة وثمانية وستين أسقفا، فصاروا ثلاثمائة وثمانية، وأسقطوا الشمامسة في البر طحة‏.‏

وكان رئيس هذا المجمع بترك قسطنطينية، وبترك أنطاكية، ولم يكن لبيت المقدس، والإسكندرية، بترك فلعنوا من تقدم من القديسين، الذين خالفوهم، وسموهم واحداً واحداً، وهم جماعة، ولعنو أصحاب المشيئة الواحدة، ولما لعنوا هؤلاء، جلسوا فلخصوا الأمانة المستقيمة، بزعمهم‏(‏ص 183‏)‏ فقالوا‏:‏

‏(‏‏(‏نؤمن بأن الواحد من اللاهوت، الابن الوحيد الذي هو الكلمة الأزلية، الدائم المستوي، مع الأب الإله في الجوهر، الذي هو ربنا اليسوع، المسيح، بطبيعتين تامتين، وفعلين، ومشيئتين، في أقنوم واحد، ووجه واحد، يعرف تاما بلاهوته، تاما بناسوته،

وشهدت كما شهد مجمع الحلقدونية، على ما سبق أن الإله الابن، في آخر الأيام اتحدا مع العذراء، السيدة مريم القديسة، جسدا إنسانا بنفسين، وذلك برحمة الله تعالى، محب البشر، ولم يلحقه اختلاط، ولا فساد، ولا فرقة، ولا فصل، ولكن هو واحد، يعمل بما يشبه الإنسان أن يعمله في طبيعته، وما يشبه الإله أن يعمل في طبيعته، الذي هو الابن الوحيد، والكلمة الأزلية، المتجسدة إلى أن صارت في الحقيقة لحما‏.‏

كما يقول الإنجيل المقدس، من غير أن تنتقل عن محلها الأزلي، وليست يمتغيرة، لكنها بفعلين، ومشيئتين، وطبيعتين، إلهي وأنسي، الذي بهما يكون القول الحق، وكل واحدة من الطبيعتين، تعمل مع شركة صاحبتها، مشيئتين غير متضادتين، ولا متضارعتين، ولكن مع المشيئة الأنسية، في المشيئة الإلهية القادرة على كل شيء‏)‏‏)‏‏.‏

هذه شهادتهم، وأمانة المجمع السادس من المجمع الحلقدوني، وثبتوا ما ثبته الخمس مجامع التي كانت قبلهم، ولعنوا من لعنوه، وبين المجمع الخامس إلى هذا المجمع مائة سنة‏.‏

*2*  المجمع العاشر

فصل ثم كان لهم‏(‏‏(‏مجمع عاشر‏)‏‏)‏، لما مات الملك، وولي بعده ابنه، واجتمع فريق المجمع السادس، وزعموا أن اجتماعهم كان على الباطل، فجمع الملك مائة وثلاثين أسقفا، فثبتوا قول المجمع السادس، ولعنوا من لعنهم، وخالفهم، وثبتوا قول المجامع الخمسة، ولعنوا من لعنوا، وانصرفوا، فانقرضت هذه المجامع، والحشود، وهم علماء النصارى، وقدماؤهم، وناقلوا الدين إلى المتأخرين، وإليهم يستند من بعدهم‏.‏

وقد اشتملت هذه المجامع العشرة المشهورة، على زهاء أربعة عشر ألفا من الأساقفة، والبتاركة، والرهبان، كلهم يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضاً، فدينهم إنما قام على اللعنة، بشهادة بعضهم على بعض، وكل منهم لاعن ملعون‏.‏

‏(‏‏(‏لو عرض دين النصرانية، على قوم لم يعرفوا لهم إلها، لا متنعوا من قبوله‏)‏‏)‏

فإذا كانت هذه حال المتقدمين، مع قرب زمنهم، من أيام المسيح، وبقاء أخيارهم فيهم، والدولة دولتهم، والكلمة لهم، وعلماؤهم إذ ذاك أوفر ما كانوا، واحتفالهم بأمر دينهم واهتمامهم به كما ترى، ثم هم مع ذلك تائهون، حائرون بين لاعن، وملعون، لا يثبت لهم قدم، ولا يتحصل لهم قول في معرفة معبودهم‏.‏

بل كل منهم قد اتخذ إلهه هواه ‏(‏ص 184‏)‏ وباح باللعن، والبراءة ممن اتبع سواه، فما الظن بحثالة الماضين، ونفاية الغابرين، وزبالة الحائرين، وذرية الضالين، وقد طال عليهم الأمد، وبعد العهد، وصار دينهم ما يتلقونه عن الرهبان، وقوم إذا كشفت عنهم، وجدتهم أشبه شيء بالأنعام، وإن كانوا في صور الأنام‏.‏

بل هم كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏ومن أصدق من الله قيلا إن هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا‏)‏‏.‏

و هؤلاء هم الذين عناهم الله سبحانه بقوله‏:‏ ‏(‏يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل‏)‏ ومن أمة الضلال، بشهادة الله ورسوله عليهم، وأمة اللعن بشهادتهم على نفوسهم، بلعن بعضهم بعضا، وقد لعنهم الله سبحانه على لسان رسوله، في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏(‏لعن الله اليهود، والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوه‏)‏‏)‏هذا والكتاب واحد، والرب واحد، والنبي واحد، والدعوى واحدة، وكلهم يتمسك بالمسيح، وإنجيله، وتلاميذه، ثم يختلفون فيه هذا الاختلاف المتباين‏.‏

فمنهم من يقول‏:‏ أنه إله‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ ابن الله‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ ثالث ثلاثة

ومنهم من يقول‏:‏ إنه عبد‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ إنه أقنوم، وطبيعة‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ أقنومان، وطبيعتان، إلى غير ذلك، من المقالات التي حكوها عن أسلافهم، وكل منهم يكفر صاحبه، فلو أن قوما لم يعرفوا لهم إلها، ثم عرض عليهم دين النصرانية هكذا، لتوقفوا عنه، وامتنعوا من قبوله‏.‏

فوازن بين هذا، وبين ما جاء به خاتم الأنبياء، والرسل، صلوات الله عليه وسلامه، تعلم علما يضارع المحسوسات، أو يزيد عليها‏:‏ إن الدين عند الله الإسلام‏.‏